هذا الموضوع يمكن الرد عليه من نواح متعددة منها:
1- من الذي حرَّفه؟ وفي أي عصر؟ وهل كتب ذلك في أي تاريخ؟
إن حادثة خطيرة كهذه، ما يمكن أن تمر دون أن تُثار حولها ضجة كبرى لا بُدّ أن يسجلها التاريخ. وواضح أن التاريخ لم يسجل أية إشارة عن مثل هذا الاتهام الخطير. لا في التاريخ المدني، ولا في التاريخ المسيحي، ولا في تاريخ غير المسيحيين. ولم يحدث اتهام لأحد معين من ملايين المسيحيين بتحريف الإنجيل، ولا أي اتهام لكنيسة معينة، ولا تاريخ لذلك..
2- كذلك كانت نسخ الكتاب المقدس قد وصلت إلى كل أرجاء المسكونة.
فالمسيحية بعد حوالي 35 سنة منذ صعود السيد المسيح، كانت قد انتشرت في آسيا و أوروبا و إفريقيا. فانتشرت في فلسطين وسوريا وبلاد ما بين النهرين وفي تركيا، ووصلت إلى بلاد العرب والهند. وفي أوروبا وصلت إلى بلاد اليونان وقبرص وإيطاليا ومالطة، وامتدت غربًا إلى الهند. وفي أفريقيا وصلت إلى مصر وليبيا وامتدت جنوبًا، وخلال القرون الثلاثة الأولى كانت قد وصلت إلى كل بلاد المسكونة.
وكل تلك البلاد، كانت عندها نسخ من الإنجيل...
كما تمت ترجمة الأناجيل إلى اللغات المحلية.
ومن أقدم ترجماته: الترجمة القبطية في مصر، وترجمة الإنجيل السريانية في سوريا التي عُرِفَت بالترجمة البسيطة (البيشيطو)، والترجمة اللاتينية القديمة. كل ذلك في القرن الثاني، غير الترجمات التي انتشرت في باقي البلاد، غير اللغة اليونانية للأصلية، يُضاف إلى هذا الترجمة السبعينية للعهد القديم التي تمت في عهد بطليموس الثاني (فيلادلفوس) Ptolemy II Philadelphus في القرن الثالث قبل الميلاد
فكيف كان يمكن جمع نسخ الإنجيل من كل بلاد المسكونة، وجمع كل الترجمات، وتحريف كل ذلك معًا؟!
ألا يبدو الأمر مستحيلًا من الناحية العملية؟! هذا لو فكر أحد في ذلك أصلًا!!
3- ثم مَنْ يجرؤ على ذلك؟! وهل من المعقول أن يتفق كل مسيحي العالم على تحريف كتابهم المقدس، ثم يؤمنون به بعد ذلك؟!
المعروف أن المسيحية حينما قامت، كانت تتربص بها اليهودية التي طالما اتهمت المسيحيين عند الحكام الرومان. فلو حرَّف المسيحيون إنجيلهم، لفضحهم اليهود. كذلك كان فلاسفة الوثنيين في صراع مع المسيحيين الذين ينمون في العدد على حسابهم. وكانوا يدرسون الإنجيل للرد عليه. فلو حرف المسيحيون الإنجيل، لفضحهم الوثنيون وفلاسفتهم..
يُضاف إلى كل هذا انقسامات داخل صفوف المسيحيين، فانحرف البعض منهم عن الإيمان المسيحي، وأسمتهم الكنيسة بالهراطقة، وحاربتهم فكريًا وكنسيًا. فلو قامت الكنيسة بتحريف الإنجيل، لوقف ضدها الهراطقة وشهروا بها..
ولو قامت كنيسة معينة بتحريف بعض نسخها أو كلها، لحرمتها الكنائس الأخرى.
ولقد شهد القرن الرابع هرطقات heresies عنيفة هزت أركان العالم المسيحي، ومن أمثلتها الهرطقة الأريوسية التي انعقد بسببها المجمع المسكوني الأول الذي اجتمع فيه 318 أسقفًا مندوبين عن كنائس العالم كله سنة 325 م. وقرروا حرم أريوس. وبقى الأريوسيون شوكة في جسد الكنيسة وبخاصة لصلتهم بالإمبراطور، مما جعلهم يقدرون على نفس القديس أثناسيوس، وعزله أربع مرات.. فهل كان أولئك سيسكتون على تحريف الإنجيل؟!
حدثت بعد ذلك هرطقات عديدة، مثل هرطقات سابليوس – أبوليناريوس – ماني – مقدونيوس – نسطور – أوطاخي.. وغيرهم. كل ذلك في القرن الرابع وأوائل القرن الخام. فهل كان أولئك سيسكتون لو حدث تحريف شيء من الإنجيل؟!
ومن غير المعقول أن تتفق كل كنائس العالم مع الهراطقة، ومع الهراطقة الذين حرمتهم الكنيسة، على تحريف الإنجيل الذي يؤمن به الجميع!!
4- يوجد كذلك في المتاحف نسخ من للإنجيل ترجع للقرن الرابع ، تمامًا كالإنجيل الذي في أيدينا الآن.
ونقصد بها: النسخة السينائية، والنسخة الفاتيكانية، والنسخة الأفرامية، والنسخة السكندرية. وكل منها تحوي كل كتب العهد الجديد الذي في أيدينا، بنفس النص بلا تغيير. وهي مأخوذة طبعًا عن نسخ أقدم منها. ويستطيع أي إنسان أن يرى تلك النسخ القديمة في المتاحف وعلى الإنترنت، ويرى أنها نفس إنجيلنا الحالي.
5- كذلك نحب أن نذكر ملاحظة هامة أساسية وهي:
كلمة "تحريف" لا يمكن إثباتها عمليًا إلا بالمقارنة:
أي مقارنة الإنجيل الأصلي بالإنجيل الذي يُقال بتحريفه. والمقارنة تظهر أين يوجد ذلك التحريف؟ في أي فصل أو فصول الإنجيل؟ وفي أي الآيات؟
أما إذا لم تحدث مقارنة كهذه، يكون هذا الاتهام خطير، بلا بينة، بلا دليل، بل إثبات، بلا بحث علمي.. وبالتالي لا يكون مقنعًا لأحد.
No comments:
Post a Comment