أنا لست مشركًا بالله لأننا نحن المسيحيين نؤمن بإله واحد لا شريك له. ونعبد إلهًا واحدًا.
# أما عن عقيدة الثالوث في المسيحية، فهي كالآتي:
نحن لا ننفرد وحدنا بعقيدة الثالوث Holy Trinity، لأنها كانت موجودة في اليهودية، ولها شواهد كثيرة في العهد القديم ولكن بأسلوب مستتر وأحيانًا مباشر، ولكنه كان مكشوفًا فقط للأنبياء ومحجوبًا عن عامة الشعب لعدم قدرتهم على استيعاب حقيقة جوهر الله. وتوقع سوء فهمهم له في مرحلة طفولة معرفتهم به وبداية إعلان ذاته لهم، وحرصًا منه على عدم وقوعهم في الاعتقاد بتعدد الآلهة، الأمر الذي تسربت معرفته لآبائنا قدماء المصريين، فوقعوا في عقيدة الثالوث الوثني.
بل إن مجتمعنا الإسلامي أيضًا يشاركنا في القرآن هذه العقيدة باعترافه بوجود جواهر الثالوث، ولكنه يعترف بها كحقيقة وليس كعقيدة. فهو يؤمن ويصرح بالله، وبكلمته، وبروح قدسه. وهذا هو إيماننا بالله الآب الذي يمثل ذات الله لأنه أصل الوجود وعِلة كل شيء فيه، وكلمته الذي نطلق عليه الابن لأنه قدرته المولود منه والذي به صنع الوجود وبدونه لا يعمل شيئًا، وروح قدسه الذي هو روح الحياة فيه والذي به يعطي الحياة لكل موجود. وبالإجمال إله واحد؛ موجود بذاته، وحي بروحه، ناطق بكلمته.
واضح إذًا في هذه العقيدة أنها إيمان بإله واحد له ذات واحدة. وهذه الذات تتمتع بالنطق والحياة. وبدون النطق يكون إلهًا أعجميًا مجردًا من العقل والنطق، ومن ثِمَّ لا يمكن أن يكون خالقًا للوجود ولا يصح أن يكون إلهًا. وبدون الروح وهو تيار الحياة فيه يكون إلهًا ميتًا ومن ثَمَّ لا يكون إلهًا!
إذًا الله إله واحد ثالوث. واحد في ذاته، ثالوث في خصائص كيانه؛ الوجود والنطق والحياة. الوجود بالذات والنطق بالكلمة والحياة بالروح. والذات هي ذات الله والكلمة هو كلمة الله والروح القدس ينبثق من ذاته القدسية لذلك يسمى روح القدس. وهي جواهر أساسية بدونها لا يتقوَّم كيان الذات الإلهية.
هل بعد هذا الإيضاح تجد أننا استحضرنا إلهًا آخر وجعلنا بجوار الله حتى تتهمنا بالشرك؟! وهل بعد اعتراف مجتمعنا بالله الواحد وثالوثه المتمثل في ذات الله وكلمة الله وروح قدسه تصمم على اتهامنا بالشرك؟ إنه أمر عجيب حقًا!!
بل والأعجب من هذا أننا نحن ومجتمعنا -مع رجاء عدم الاستغراب- نعيش حياتنا بهذا الإيمان عينه. فإيماننا بالله الواحد الثالوث هو الذي نستخدمه في حياتنا بتسميته باسمه المبارك في كل لحظة بقولنا باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. وهي مرادف البسملة التي يستخدمها مجتمعنا في كل تصرف وفي بداية كل عمل بترديده بسم الله الرحمن الرحيم (﷽) الإله الواحد. وهو نفس ثالوثنا المسيحي. الله الواحد هو الآب ذاته الله، والرحمن بصيغة المرة على وزن فعلان وتشير إلى الابن الوحيد الجنس، والذي صنع رحمة للعالم مرة واحدة بفدائه له من حكم الموت الأبدي. والرحيم بصيغة الكثرة على وزن فعيل ويشير إلى الروح القدس روح الكثرة والنمو والخصب لأنه روح الحياة، والذي بفاعليته امتد عمل رحمة الله في فدائه. وإن لم يكن الأمر كذلك، فما هي الحكمة من أن تكون هذه البسملة بسملة ثالوثية لله؟! وفي نفس الوقت هو إله واحد وليس ثلاثة آلهة، ولم تكن بسملة رباعية أو سداسية؟ ولو لم يكن الرحمن خاصية جوهرية في الله، والرحيم خاصية أخرى جوهرية في الله فإنه ما كان هناك مبرر إطلاقًا لتكرار لفظ مشتق من الرحمة مرتين بدون حكمة إلهية تخص علاقة الله بالمؤمنين به؟
No comments:
Post a Comment