Translate

Sunday, April 26, 2020

فهم سفر النشيد

أسئلة حول سفر نشيد الأناشيد: أسئلة من أخوة مسلمين:-
هو كلام جنسي صريح.. هل تستطيع أن تقرأه أمام إبنتك البالغة.. إنه يتحدث عن الفخذ و السرة و الثدي، فهل هو كلام الله.. إن كان كلام الله، فهل لم يستطع أن يختر كلامًا آخر غير مُعثِر.. المشاهد الفاضحة للنصارى.. يحتوي على نصوص فاحشة وبذيئة جنسيًا.. هل تستطيع أن تقرأ السفر أمام أولادك.. إلى غير ذلك من الأوصاف والاتهامات.. كيف يكون سفر نشيد الأنشاد بين أسفار التوراة وهو يحوي كل هذه الأمور الجنسية والحسيَّة.. أو يضعون مقالات تحت عناوين مثل: الأدب الجنسي في الكتاب المقدس.. سفر نشيد الأنشاد الداعر.. السفر الفاحش.. أدب مكشوف إلخ.
سوف نقسِّم بحثنا هذا لثلاثة أقسام:-

الأول من القرآن الكريم، والثاني من الكتاب المقدس! والثالث لمن يريد الاستزادة.
أولًا: بخصوص القرآن الكريم:

1- أنت كمسلم تحاول فهم الكتاب المقدس من وجهة نظرك، بدون محاولة البحث في التفسير في المسيحية.. فهل تقبل أن يأخذ أحد بعضًا من آيات القرآن الكريم ويستخدمها في الهجوم على الإسلام بنفس المنطق؟! وذلك على طريقة "ولا تقربوا الصلاة"!!! هناك العديد من الآيات في القرآن الكريم والسنة والسنة النبوية والحديث الشريف التي لها طبيعة جنسية أيضًا! لن نندرج هنا تحت طائفة مهاجمي الإسلام، فقط نود توضيح نقطة هامة، وهي أنه يوجد في الإسلام نفسه الكثير من الأقوال التي قد تلتبس أو يخجل منها البعض (من وجهة النظر غير الإسلامية)..

استخدم البحث في القرآن الكريم للبحث عن كلمات مثل: "ما ملكت يمينك - يستنكحها - فروجهن - حور العين - ولدان مخلدون - أُنكِحَك - غلمان - نكاحًا..

فالنكاح لا يُقصَد به الزواج فقط، ولكنه يأتي ليعني العلاقة الزوجية، واللقاء الجنسي بصورة صريحة في مواضع عدة بمصطلحاتها المتعددة في الإسلام: الوطء أو الجماع أو الدخول أو المعاشرة..! وقد راسلنا بعض الأخوة المسلمون الأعزاء ردًا على كلمة "النكاح" بأنها تعني "الزواج" فقط لا غير، وليس ممارسة الجنس بصوره المختلفة.. ولكن إن كان هذا صحيحًا، فبماذا تفسير الأحاديث الشهيرة مثل: "لَعَنَ اللَّهُ نَاكِحَ يَدِهِ" (عون المعبود شرح سنن أبي داود - كِتَاب النِّكَاحِ - النكاح في اللغة)، أو ما ذكر بصيغة "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة.. الناكح يده.." (سلسلة العلامة الألباني). بل هناك أيضًا حديث عن "نكاح البهيمة"!! لا أظن أنه يقصد الزواج كذلك! انظر ما هو مكتوب في كتاب "الْجَوْهَرَة النَّيِّرَة - النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول ": "النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْوَطْءِ فَسُمِّيَ نِكَاحًا كَمَا سُمِّيَ الْكَأْسُ خَمْرًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِيهِ الْوَطْءُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ، لِأَنَّ الْأَمَةَ إذَا وَطِئَهَا الْأَبُ حُرِّمَتْ عَلَى الِابْنِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً) وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ. وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَعَنَ اللَّهُ نَاكِحَ الْبَهِيمَةِ».
ها هي بعض الآيات التي قد لا يفهما غير الدارسين، أو قد يأخذها البعض على القرآن، بفهم أو بدون فهم:
"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّلاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ الَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا" (سورة الأحزاب 50).
"وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ" (سورة النور 31).
"وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم" (سورة النساء 25).
"فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.. يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ.. وَحُورٌ عِينٌ" (وصف الجنة من سورة الواقعة).
"وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا.. عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا. إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا" (من سورة الإنسان).
"إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ" (سورة القصص 27).
"وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ.. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ.." (سورة الطور).
"وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا" (سورة النور 33).
"وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ" (سورة البقرة 221).
"فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" (سورة البقرة 230).
"فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" (سورة النساء 3).
"وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء" (سورة النساء 22).
"الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ" (سورة النور 3).

إن النكاح هنا لم يرد فقط بمعنى الزواج، ولكنه أيضًا لفظ صريح وتام عن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.. ولك أن تبحث في ذلك في تفسيرات كبار مشايخ الإسلام. فتجده مرة يتحدث عنها كلفظ للزواج، وفي غيرها الكثير عن فِعل ممارسة الجنس نفسه..!

ولقد ورد في الأحاديث الصحيحة المحققة ألفاظٌ جنسية كثيرةٌ ولا تعتبر مستهجنة أو قبيحة عن: الجماع وما يصاحبه من مشاعر وأحاسيس وكيفية استمتاع كل عضو من أعضاء الجسد. بالإضافة لأحاديث عن أشخاص أجلاء في الإسلام بعينهم! وذلك في صحيح البخاري وصحيح مسلم.. بخلاف بعض الألفاظ التي تعتبر حاليًا شتائم صريحة جاءت بلفظها الصريح في أحاديث الرسول محمد رسول الإسلام، وكانت حينها أقل وطأة مما هي الآن، ولكنها كانت حادة على السمع حتى حينئذٍ..

وهناك الكثير والكثير من الألفاظ والتفاصيل والشروحات المُستفيضة في تلك الأمور وغيرها، مما يصبح غير مناسب وضعها هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت بسبب عدم مناسبتها للجميع من حيث السن، وأنت إن كنت مسلم بالتأكيد على دراية بها، أو تعرف كيف تصل إليها من مئات المواقع الإسلامية.. وإن كنت مسيحيًا فلا تهمك في شيء.

نحن لا نعترض على استخدامها في القرآن أو في الأحاديث النبوية أو غيره، ولكن فقط نوضح لك عزيزي زائر موقع الأنبا تكلا أنه يوجد في الإسلام أيضًا ألفاظ وكلمات وأوصاف حسيَّة لا تُرفَض.. فلماذا يكيل بعض البسطاء بمكيالين؟!

كمسلم، لك الحق أن تفهم تلك الآيات كما تريد، أو كما يرى علماء المسلمون.. ولكن لغير المسلم، فقد لا يفهمها مثلك! فإن كنت تطالبني بتفسيرك، فانظر إلى أسفاري المقدسة بتفسيري!



* نقطة نود توضيحها، ربما تساعد في توضيح الأمر: جميع المسيحيون رجالًا ونساءً يقبلون الكتاب المقدس كاملًا، شاملًا سفر النشيد بالطبع. ولكن بعض المسلمون لا يستطيعون قبول السفر.. فإن قمنا بعمل مقارنة بسيطة لما يحدث للإنسان بعد الدينونة (أي بعد يوم القيامة)، ما بين الإسلام والمسيحية.. فالإسلام يتحدث عن العلاقات الجسدية بين الرجال وحور العين، والولدان.. إلخ. أما في المسيحية، فنرى أن بعد القيامة يسمو الإنسان عن الجسد، ليعيش مع الله في عشرة مقدسة، يصحبه الأبرار والقديسون والملائكة.. فيقول السيد المسيح: "فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ" (متى 22: 30؛ مرقس 12: 25؛ لوقا 25: 30).

فربما هذا قد يوضح مشكلة الفهم للسفر ما بين المسيحيون وغيرهم.. ما بين الفهم الجسداني والفهم الروحاني بسبب طبيعة الدين.. ولك الحق في ذلك، لا نختلف معك، ولا نُقَلِّل من ما تؤمن به، فهذا إيمانك.. أما لدينا فمستوى "مختلف".. سواء في النظرة للحياة والموت، أو ما بعد الموت والحياة الأخرى وغيرها.. أتذكر في هذا القياس أننا نشرنا مقالًا هنا في موقع الأنبا تكلا وكان سؤالًا وتقول فيه السائلة: "أريد أن أصبح راهبة وأصير عروسًا للمسيح".. ففهم بعض البسطاء غير المسيحيين الأمر وكأن الأمر له علاقة بالجنس!! فكان علينا توضيح الأمر في نفس الصفحة..

وحدث كذلك عند نشرنا تفاصيل سر المعمودية المقدس، أن ترك البعض كل الروحيات الخاصة بالسر، وأمسكوا في الرشومات، وأخرجوا منها أفلامًا ومسرحيات حول ما يحدث للنساء في المعمودية! وكان علينا مرة أخرى في موقع الأنبا تكلاهيمانوت أن نوضح الأمر لئلا يلتبس على البسطاء.

2- نقرأ أيضًا في آلاف الكتب الإسلامية عن وصايا رسول الإسلام للنساء والكثير من الأمور الجنسية مثل: خرق الحيض، والمحائض وأحكام الحائض، و"إنزال الماء"، وبول الذكر وبول الأنثى، والغائط، وكيفية غسل الأرداف، والقبلة، ومباشرة النساء، وستر الفرج، وذكر فرج النبي في أحد الأحاديث عن السيدة عائشة: "حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن منصور عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي عن مولى لعائشة عن عائشة قالت... (منقول عن موقع الإسلام)" (وفي القرآن نفسه ذِكر لفروج الرجال كما ذكر سورة النور 30 كما أوضح د. محمد شحرور في كتاب الكتاب والقرآن)، وأولياء النكاح.. إلخ. ومن تلك الكتب الإسلامية للأدباء وكتَّاب وعلماء الإسلام: 150 من وصايا الرسول للنساء: إبراهيم الجمل - زواج المتعة: فرج فودة - مكانة المرأة في الإسلام: حمدون داغر - الجنس في القرآن: إبراهيم محمود - الحب والجنس في حياة النبي: بسنت رشاد - نساء حول النبي: نبيل عبد القادر الزين - المرأة والجنس: نوال السعداوي - الدعارة الحلال: عبد الله كمال - الحب والجنس والإسلام: كامل النجار - حدائق الجنس، فتاوى الشيوخ وفنون كتب التراث: محمد الباز - الوصايا في عشق النساء: أحمد الشهاوي - المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة: صالح الورداني - نساء في مواجهة نساء: عزة كرم - كبائر النساء وصغائرهن وهفواتهن: إبراهيم محمد الجمل... إلى غير ذلك من آلاف الكتب حول هذا الموضوع بالذات، وكلها ممتلئة بالأقوال والاستشهادات..

أليس كل هذا جزءًا من القرآن واستشهادًا به وبالأحاديث الشريفة؟!

فلتؤمن بما تؤمن به، من حقك.. ولك الحرية في اختيار ما تشاء.. وتفسير الأمر حسب رأي علماء الإسلام.. لن أقوم بتفسير كل هذا منطقيًا، أو حسب ما أراه منطقيًا من وجهة نظر ديني!! والمسيحية والكتاب المقدس كذلك، ينبغي أن يُنظَر إليها من وجهة النظر المسيحية وليست وجهة نظر أخرى!

3- ربما سوء الفهم له علاقة بموضوع علاقة الله بالإنسان ما بين الإسلام والمسيحية. ففي الإسلام من صفات الله أنه هو المنتقم الجبار وكذلك الرحمن الرحيم الغفور السلام، وهو لدينا أيضًا الديان والجبار، ولكن كذلك "اللهَ مَحَبَّةٌ" في المسيحية (رسالة يوحنا الرسول الأولى 4: 8، 16). فعلاقة الإنسان بالله في المسيحية ليست هي علاقة إله وعبيد، بل هي علاقة حب بيننا وبين الله، الذي نناديه في الصلاة قائلين: "أبانا الذي في السموات" (إنجيل متى 6: 9؛ إنجيل لوقا 11: 2).. فالله في المسيحية هو أبونا (سفر إشعياء 64: 8؛ رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي 3: 11؛ رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل تسالونيكي 2: 16).

4- يصف السفر مباهج الحياة الروحية ويشبهها بمباهج الحياة الزوجية، ولا خطأ في الجنس الذي هو داخل إطار الزواج، فقد خلق الله حواء لآدم بعد أن قال: "ليس جيدًا أن يكون آدم وحده" (تكوين 2:18). ويقول الحكيم: "افرح بامرأة شبابك" (أمثال 5:18 و19). وقد حذَّر الرسول بولس المؤمنين من التعاليم الخاطئة للذين يرفضون الزواج، ثم قال: "لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يُرفَض شيء إذا أُخِذ مع الشكر" (1 تيموثاوس 4:3 و4). "الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتُّع" (1 تيموثاوس 6:17). وقال كاتب رسالة العبرانيين: "ليكن الزواج مكرَّمًا عند كل واحد، والمضجع غير نجس. وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله" (عبرانيين 13:4) . لقد وضع الله الغريزة الجنسية في الناس، وقال الوحي: "لسبب الزنا، ليكن لكل واحد امرأته، وليكن لكل واحدة رجلها. ليوفِ الرجل المرأة حقَّها الواجب، وكذلك المرأة أيضًا الرجل" (1 كورنثوس 7:2 و3).

5- إن كان الكتاب المقدس قد تم تحريفه كما ينادي بعض الأخوة المسلمون، فكان بالأولى بنا أن نقوم بتنقيحه وتعديله وإلغاء ما قد يُساء فهمه من البسطاء أو أصحاب الديانات الأخرى! وكنا سنقوم بمسح السفر أو تعديله!!! ولكن وجود هذا السفر في الكتاب المقدس يؤكد عدم تحريف الكتاب المقدس، لأنه صمد ضد رغبات الجهال غير المؤمنين الذين نادوا بأنه سفر غير إلهي.

6- بعض المسلمون عندما يقرأون الكتاب المقدس، يقرأونه بهدف نقده بالدرجة الأولى، وليس من أجل المعرفة أو الفهم.. فهذه النقطة تقف حاجزًا أمامهم في فهم الكتب المقدسة. ومن الأقوال المأثورة "إن أنصاف المتعلمين أخطر من الجهلة"!

7- لو ادّعى أحد الغربيين هذه الدعوى والهجوم على لغة سفر النشيد لعذرناه لجهله باصطلاحات أصحاب السلوك، بخلاف الشرقي الذي تواترت عنده القصائد العربية والإسلامية لشعراء مثل محيي الدين بن العربي، وقصائد ابن الفارض وغيرهما، فإن قصائدهم في العشق الإلهي أشهر من أن تُذكر.

8- ربما يكون هناك اختلاف في مفهوم الوحي والتنزيل ما بين الإسلام والمسيحية.. فكلام الله في المسيحية هو كل الوحي الإلهي، بغض النظر عن قائله، وعن طريقة قوله، أو اختلاف الثقافات عبر الأجيال.

9- نقطة العصمة للقرآن أو عصمة الأنبياء وغيره في الإسلام، مختلفة عن عصمة الكتاب المقدس أو الأنبياء.. ففي المسيحية العصمة لله وحده! ولا يوجد بشر معصوم من الخطأ.. حتى ولو كان نبيًا.. وقد أوضحنا في هذا المقال بموقع الأنبا تكلاهيمانوت أنه توجد أخطاء لأنبياء مذكورة في كتاب القرآن. فيصطدم المسلم عندما يسمع أن الكتاب المقدس قد نسب خطايا لأنبياء.

10- ولا ننسى أيضًا أن القرآن يتحدث عن أمور مادية في الله، وذلك لتقريب الصورة للإنسان..

فنرى في القرآن أن الله قريب جدًا من الإنسان؛ لذلك يقول: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" (سورة ق 16)، "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ" (سورة المجادلة 70)، "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (سورة البقرة 153)، "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ" (سورة البقرة 186).

فإن كان الله قريب للإنسان بهذه الصورة، أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، فما المانع من تجسده في شكل إنسان من أجل خلاص الإنسان..؟!

ولاحظ كذلك نسبة الأعضاء الجسدية والمشاعر الإنسانية لله: القرآن ينسب لله الأعضاء الجسدية، فمثلًا:

أ - ينسب لله وجه: "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ" الرحمن 27، "كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ" (سورة القصص 88).

ب- ينسب لله يد: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ" (سورة الفتح 10).

ج- ينسب لله جنب: "أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ" (سورة الزمر 56).

د - ينسب لله عين: "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا" (سورة الطور 48).

هـ- ينسب لله المشاعر الإنسانية: مثل الحسرة والنسيان والمكر والغضب "يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ..." (سورة يس 3)، "نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ..." (سورة التوبة 67)، "إِنَّا نَسِينَاكُمْ..." (سورة السجدة 14)، "وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (سورة آل عمران 54)، "وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ" (سورة الفتح 60). وفي صحيح البخاري ينسب لله الضحك على آخر رجل يبقى في النار الذي يقول "لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله عز وجل منه"..

11- نرى في القرآن والأحاديث أيضًا يتحدث عن "عرش الله"، وبالطبع الله لا يحده مكان... فيقول: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" (سورة طه 5). و"دار الله": جاء في الحديث عن الرسول "إن المؤمنين حين يتشفعون ربهم يوم القيامة يأتون إلىَّ. فانطلق فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي. فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا " (صحيح البخاري 4: 18)... إلخ.

كل هذا لتقريب الصورة للبشر.. ليس بالطبع لله يد أو عرش أو وجه أو هذه الأشياء المادية المذكورة في القرآن أو في الكتاب المقدس، ولكنها فقط لتقريب المعنى للآذان والمفاهيم البشرية القاصرة عن طريق التشبيه..

ومن الجدير بالذكر أنه بسبب روعة وجمال وسمو هذا السفر، قد نشره الكاتب المصري توفيق الحكيم عام 1940، ووضع له مقدمة يتغنّى به وبسموّه ورِفْعَة معانيه..
كل هذا وذلك يوضح الخطأ في أن يحاول المتدين بدين معين، أن يحكم على دين آخر من خلال تصوُّرات دينه له!
ثانيًا: من الكتاب المقدس:

1- منذ القديم كان سفر نشيد الأنشاد ضمن الأسفار القانونية في التوراة. وبعد قرون من قبوله كسفر قانوني، وفي القرن الأول الميلادي، شكَّكت مدرسة الرباي شمّاي في قانونيته، فقال الرباي عقيبة بن يوسف "أكيبا" (50-132م): "لم يجادل أحدٌ في قانونية سفر النشيد.. إن كل العصور لا تستحق اليوم الذي فيه أُعطي سفر النشيد لبني إسرائيل، فكل الوحي مقدس، ونشيد الأنشاد هو قدس الأقداس". ويعتمد المسيحيون أسفار التوراة التي قبلها بنو إسرائيل كأسفار قانونية.

2- اعتاد الله أن يتحدث معنا خلال الوحي بذات الأسلوب الذي نتعامل به في حياتنا البشرية، فهو لا يحدثنا فقط باللغات البشرية بل ويستخدم أيضا تعبيراتنا، حتى لا يكون الوحي غريبًا عنا.

نذكر على سبيل المثال أن الوحي يتحدث عن الله بأنه حزن، وغضب، أو ندم.... مع أن الله كلى الحب لن يحزن لأنه لا يتألم، ولا يغضب إذ هو محب، ولا يندم لأن المستقبل حاضر أمامه وليس شيء مخفي عنه. لكنه متى تحدث الكتاب عن غضب الله إنما يود أن يعلن لنا أننا في سقطاتنا نلقى بأنفسنا تحت عدل الله، وما يعلنه الوحي كغضب إلهي إنما هو ثمر طبيعي لخطايانا، نتيجة هروبنا من دائرة محبته.

وعندما يتحدث الكتاب المقدس عن كرسي الله أو عرشه، فهل أقام الله له كرسيًا أو عرشًا محدودًا يجلس عليه؟! ألم تكتب هذه كلها لكي نتفهم ملكوت الله ومجده وبهاءه حسب لغتنا وتعبيراتنا البشرية؟!

على نفس النمط يحدثنا الوحي عن أعمق ما في حياتنا الروحية، ألا وهو اتحادنا بالله خلال الحب الروحي السري، فيستعير ألفاظنا البشرية في دلائل الحب بين العروسين، لا لتفهم علاقتنا به على مستوى الحب الجسداني، وإنما كرموز تحمل في أعماقها أسرار حب لا ينطق به.

3- هذا المفهوم للحب الإلهي كحب زوجي روحي يربط النفس بالله ليس غريبا عن الكتاب المقدس، فقد استخدمه أنبياء العهد القديم كما استخدمه رجال العهد الجديد أيضا.

4- عبارات هذا السفر لا يمكن أن تنطبق على الحب الجسداني، ولا تتفق مع القائلين أنه نشيد تغنَّى به سليمان حين تزَّوج بابنة فرعون أو ما يشبه ذلك، نذكر على سبيل المثال: "لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ" (1: 1)... (لاحظ كلمات: ليقبلني، فمه، ثم حبك).. هكذا تناجى العروس عريسها، لكنها تطلب قبلات آخر "فمه".. مع أنها تعلن له "حبك" أطيب من الخمر، كيف يمكن لعروس أن تطلب من عريسها أن يقبلها آخر بينما تستعذب حب العريس نفسه؟ يستحيل أن ينطبق هذا على الحب الجسداني، لكنه هو مناجاة الكنيسة للسيد المسيح عريسها، فتطلب قبلات فم الآب، أي تدابيره الخلاصية. والتي تحققت خلال حب الابن العملي، كقول الكتاب: "اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (إنجيل يوحنا 1: 18).

* مما يقوله السفر أيضًا: "لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى" (سفر نشيد الأنشاد 1: 3). فهل يمكن لعروس أن تفرح لأن عريسها موضع حب العذارى غيرها؟! لكن العروس هي الكنيسة التي تريد أن كل المؤمنين كالعذارى يحبون عريسها؟!

* "اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ" (سفر نشيد الأنشاد 1: 4). لاحظ كلمات "فنجري"، "نبتهج"، "نفرح بك"، "نذكر حبك"، "يحبونك".. هل المتكلم مفرد أم جمع؟ إن كانوا جمعًا فكيف تلتقي الجماعة في حب الواحد جسديًا؟! وأي عروس تطلب هذا فتجرى، ومعها كثيرات نحو الحبيب؟

من هذه الأمثلة نرى أن السفر لم يعبر عن حب جسدانا، لكن عن حب إلهي يربط الله بكنيسته ومؤمنيه لكن يقوم السفر بما يناسب القامات الروحية والسنية.

5- قال كثيرون من رجال الدين اليهود الأقدمين إن هذا السفر يشرح العلاقة الحبية بين الله وشعبه. وفي ضوء هذا التفسير قاموا بوضعه ضمن أسفار الوحي القانونية المعترف بها. وقد قبلت الكنيسة المسيحية السفر ضمن ما قبلته من الوحي المقدس. وقد رأى اليهود في هذا السفر تاريخ بني إسرائيل من الخروج إلى زمان المسيح، وقالوا إن بني إسرائيل هم العروس (اسمها شولميث השולמית) وإن الرب هو العريس، وإن اتحاد الشعب مع الرب سيكمل في المسيح. أما المسيحيون الأولون فقالوا إن العروس هي الكنيسة وإن العريس هو المسيح.

وقد بلغ من اعتزاز الكنيسة بهذا السفر أن قام العلامة أوريجانوس في القرن الثالث الميلادي بتفسيره في عشرة مجلدات، ووجد في كل جملة من السفر معنى روحيًا. وفي القرن الثاني عشر كتب "برنارد أوف كليرفو" Bernard of Clairvaux عدد 86 موعظة على آيات الأصحاحين الأول والثاني من هذا السفر. ولدينا حاليًا عشرات التفاسير والتأملات في سفر النشيد.. لقداسة البابا شنوده الثالث، وقداسة المتنيح الأنبا يوأنس أسقف الغربية، وقداسة الأنبا يؤانس سكرتير قداسة البابا الذي أصدر كتبًا ضخمة تتأمل في آيات معدودة..

6- الدارس للكتاب المقدس لا يخفي عليه أن الكتاب المقدس كثيرًا ما يستخدم لغة البشر لتفهيمنا حقائق روحية سامية، وإلا لاستحال علينا أن نفهم أى شئ عن الله. فالكتاب المقدس مثلًا يقول «عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم» (مز 34:15) دون أن يقصد -كما لا يخفي علينا جميعا- أن لله عينين أو أذنين؛ لأن «الله روح» (يو4: 24) (اقرأ المزيد حول هذا الأمر هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الكتب). كما أنه يحدثنا عن معاملات الله معنا بلغة بشرية نفهمها، فيقول إنه يقف بجانبنا كالأخ (أم 17: 17)، ويشفق علينا كالأب (مز 103: 13، ملا3: 17)، ويعزينا كالأم (إش66: 13،49: 15)؛ لهذا فليس عجيبًا أن يرسم محبته لنا وغيرته علينا كمحبة العريس وغيرته من نحو عروسه.

وهذه الصورة لم ينفرد بها سفر نشيد الأنشاد Songs of Solomon بل تحدث عنها إشعياء أيضًا عندما قال «كفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك» (62: 5). وتحدث عنها إرميا «ذكرت لك غيرة صباك، محبة خطبتك، ذهابك ورائي في البرية في أرض غير مزروعة» (2: 2). وتحدث عنه هوشع «أخطبك لنفسي إلى الأبد...» (2: 19، 20). وكثيرًا ما صوَّر الكتاب المقدس التحول عن الله وعبادة الأوثان بأنه زنا. وأخيرًا نجد المعمدان يتحدث عن الذين تركوه وتبعوا الرب يسوع (المسيا) بأنهم هم العروس «أنتم أنفسكم تشهدون لي أنى قلت لست أنا المسيح بل إني مرسل أمامه. من له العروس فهو العريس» (يو3: 28، 29).

أما عن أسلوب السفر وتسمية صاحب السؤال له أنه أدب مكشوف، فهو ظلم للكاتِب، الذي عاش في عصر غير عصرنا، اعتاد أهل عصره على مثل هذه التعبيرات. وللسائل أن يراجع الشواهد التالية (إشعياء 49:14-21 و62:1-5 وإرميا 2:2 وحزقيال 16 وهوشع 2:14-23 و11:8) وفي العهد الجديد نجد علاقة المسيح بالمؤمنين هي علاقة الزيجة المقدسة (يوحنا 3:39 و2 كورنثوس 11:2 وأفسس 5:22-32 ورؤيا 21:2).
وتوُصَف الكنيسة في العهد الجديد أيضًا بأنها عروس المسيح؛ العروس السماوية، نظرًا للمحبة العميقة والعلاقة الوثيقة والرابطة الأبدية التي لها مع المسيح (2 كو 11: 2، أف5: 26، رؤ19: 7-9، 21: 9).
ثالثًا: قراءات أخرى لطالب العلم:
النص الكامل لسفر نشيد الأناشيد.
مقدمة عن سفر نشيد الأناشيد: الأب أنطونيوس فهمي.
تفاسير سفر نشيد الأنشاد.
تفسير سفر نشيد الأنشاد: الأب أنطونيوس فكري.
تفسير سفر نشيد الأناشيد: الأب تادرس ملطي.
تأملات في سفر نشيد الأناشيد: قداسة البابا شنودة الثالث.
تأملات في سفر نشيد الأنشاد: المتنيح الأنبا يوأنس أسقف الغربية.
كتاب إسحق أو النفس للقديس أمبروسيوس - إعداد القمص تادرس يعقوب ملطي.
البحث في الكتاب المقدس.
الفصل العاشر: مدارس النقد وسفر نشيد الأناشيد - من كتاب مدارس النقد والتشكيك والرد عليها: الجزء الأول - مقدمة للنقد الكتابي.

No comments:

Post a Comment

القديس كيرلس الاورشليمي وقانونية سفر الرؤيا وبقية اسفار العهد الجديد

  في البدايه تعريف بمن هو القديس كيرلس من كتاب سير القديسين القديس كيرلس أسقف أورشليم (القديس كيرلس الأورشليمي)   قس الموعوظين: Κύριλλος Α΄ ...