Translate

Showing posts with label البدع الهرطقة. Show all posts
Showing posts with label البدع الهرطقة. Show all posts

Sunday, February 14, 2021

أصحاب الأفكار المنحرفة

 

تعليم الكنيسة الإيماني العقيدي ليس جزءًا من تعاليمها أو صورة من صور حياتها، بل هو كل الكنيسة وكل حياتها وتقليدها الكامل الذي لا يتجزأ ولا يتغير ولا يختزل منه أو يضاف عليه، والذين يحاولون شرح العقيدة وتفسيرها بفكر ذاتي بشرى، إنما يخلطون التعليم ويشوهون الإطار الشامل للعقيدة التي لا تتجزأ إلى وحدات منفصلة، وهم مسئولون لا عن ما يقولوه فقط بل أيضًا عن ما لم يقولوه وتعمدوا إغفاله.

 ولا يخفى على أحد أن شرح العقيدة وتقديم التعليم الأرثوذكسي لابد أن يتأسس على ما يحدث في الليتورجيا، لأنها التطبيق العملي للعقيدة، خلال الخبرة السرائري، وهناك فرق كبير بين الذين يحفظون الإيمان بغير دنس ولا غش، وبين الذين تسلموه ذهبا وسلموه قشا.

 لذلك نقول لأصحاب الأفكار المنحرفة: كيف تستهينون بكنيسة الله (1كو 11: 22) كما ولابد أن ننذرهم لأنهم بلا ترتيب (1 تس 5: 14) يسلكون بلا ترتيب وليس حسب التقليد (2 تس 3: 6)، ولعلنا نسأل هنا المنشقين وتابعيهم: أين الكنيسة التي تنقل لنا ليتورجيا السماء (سفر الرؤيا)؟ وأين سر الحضور الإلهي؟ أين الاهتمام بالعمق الداخلى والتكريس لله خلال صلوات الأجبية؟ أين الروح الوديع الهادئ في الترنيم وفي العبادة؟ أين الخشوع الواقعي من التشنجات العاطفية والأفعال النفسانية؟ أين وسائط النعمة التي بها تنسكب نعمة الروح القدس في حياتنا؟ هل الإيمان الذي تؤمنون به مجرد إيمان عقلي وكلام روحي يقال في قاعات؟ أم أن الإيمان حياة وتقديس؟ أين الاجتهاد والتغصب والممارسات والتداريب الروحية؟ وأين الأسرار الإلهية النابعة من جنب المخلص؟ أين المعمودية التي بها نولد من رحم الكنيسة؟ وأين الميرون الذي به نختم بمسحة القدوس؟ وأين الإفخارستيا الذي به يتم الثبوت المتبادل فنكون نحن في المسيح والمسيح ربنا فينا؟ أين شركة السمائيين؟ وأين شفاعة القديسين؟ وأين الأصوام والتضرعات والفضائل؟ أين تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات؟ أين سلطان الكهنوت؟ وبالجملة أين الاعتزاز بالكنيسة؟
وهكذا في هذا التعليم الغريب تطلب التقوى خارج الليتورجيا فتنعزل عن رجال الكهنوت، وتنفصل الروحانية الشخصية عن ينبوع الكنيسة ليبرز اتجاه " التقوى الحديثة  التي تقوم على الآهات والإيحاءات العاطفية والنفسية، التي تجعل التقوى والروحانية تقوم على أساس شخصي فرداني، هذه التقوى المودرن  التي يسمع فيها عن المسيح بدون اتحاد حقيقي معه أو ثبات سرائري فيه.

 والأمر المحير أن هذه الأفكار الحديثة تخالف الوديعة التي لا تخضع للاقتراحات لأنها ما تعلمناه وليس ما نبتكره بأفكارنا وقراءاتنا، فهي (الوديعة) فكر الكنيسة العام وليس ما يخترعه أحد، هي ما تسلمناه وليس ما نجتهد فيه ونؤلفه، لكي نبقى تلاميذ للكلمة.

 تلك الأفكار الغريبة لم تأت بين ليلة وضحاها بل كانت نتيجة لعدم طاعة وتلمذة وخضوع أصحابها، الذين انشغلوا بإبراز البطولات البشرية  دون الالتزام بمعيار سلامة التعليم ونقاوته مستهينين بطول أناة آباء الكنيسة الذي كان ينبغي أن يقتادهم للتوبة والرجوع للمنهج الإنجيلي الرسولي الآبائي الليتورجي العقيدي والإيماني.

 هذه الأفكار هي صورة ممسوخة ومشوهة للتعليم المسيحي، "كاركاتير" للمعتقدات السليمة،  ويمكن حصرها في صورة بدع تتجدد وتعاود الظهور، مع بعض التحويرات والخداعات التي تدفع أصحابها في النهاية إلى أن يعلنوا أنهم ليسوا أرثوذكس لكنهم لا طائفيين.

 ولا نعجب ان اتبع هؤلاء المنشقون حكمة العالم، لكننا لا نجهل حيلهم إذ هم يتبعون منشقين سابقين لهم، ويختفون وراء ثيابهم الهرطوقية، وهكذا انتشرت بدعهم لابسة عباءة أرثوذكسية، لكن ان تطلعنا في داخلهم نجد ترابا ورمادا، كل تعاليمهم دود مملوء فساد ورياء، لأنهم لم يوقروا ما وقره الآباء ولم يكرموا ما كرمه الآباء، ناقلين التخم القديم.

 وليس خفيا على أحد ما اتسمت به بعض التعاليم الفاسدة، التى تجعل الباب الضيق باب واسع، وتجعل الشيطان تحت الأقدام، ومن ثم لا ضرورة للجهاد الروحي ولا حاجة إذن للسلوك بتدقيق أو تكميل خلاصنا بخوف ورعدة..!!

 لم نسمع في هذه التعاليم أن الإيمان بدون أعمال ميت (يع 2:20)، وأنه لا منفعة ولا خلاص للإيمان بدون أعمال (يع 2: 14)، وأن الإيمان وحده لا يبرر الإنسان بل الأعمال (يع 2: 24)، لم نسمع عن الأصوام والمطانيات  والدموع والجهاد حتى الدم ضد الخطية، أليس الذي يسمع الكلمة ولا يعمل بها يشبه رجلا ناظرا وجه خلقته في مرآة، فانه نظر ذاته ومضى وللوقت نسى ما هو (يع 1: 23)..

البدع المُقَنَّعة والخلط في التعليم


(أنظروا أن لا يكون أحد يسبيكم (يفسدكم) بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم) [كو8:2].

 هكذا تجول الذئاب في ثياب الحملان، نعم ثيابها ثياب حملان وليس أظافرها أو أسنانها، وإذ هم يتسترون في الجلد الناعم، يخدعون بمظهرهم وزيهم ويبثون من أنيابهم سم البدع والأفكار الغريبة.

 يسحبون البسطاء بلسانهم اللين وفكرهم الغريب في خلط وتخبط، وهذا هو السبب لتحذيرات الكنيسة التي تملك كل الحق ولا تحتاج إلى اختراعات وتصحيحات البشر، فلن تكون التعاليم مقبولة ما لم نستلمها من الكنيسة وفي الكنيسة، لأنها بمقتنيات ثمينة للغاية، وتحتاج منا إلى نفس متيقظة ونعمة إلهية وذهن علوي وبصيرة نفاذة حتى نميز فساد الفلسفات المدسوسة والتعاليم الباطلة، عندئذ لا نأكل الزوان على أنه حنطة فيصيبنا ضررًا من الجهل، ونسقط فريسة الذئاب التي حسبناها حملان ويبيدنا الشيطان المهلك الذي نظنه ملاكا من نور.

أما المنشقين، ففي خداع يتسللون تحت ستار التعليم الأرثوذكسي، ويدسون سمومًا هي تعاليمهم الجاهلة والمملوءة فسادًا، وعن هؤلاء يقول الرب (أنظروا لا يضلكم أحد) [مت 24: 4] هؤلاء الذين ينتسبون إلى الأرثوذكسية وهم أصحاب بدع مقنعة واتجاهات منحرفة، يلبسون صورة الأرثوذكسية وهم يتجاسرون عليها ويشككون في التعليم السليم، ويتأرجحون من تعليم إلى آخر ويتقبلون مبادئ متضاربة.

 ولعلنا في هذا الجيل نذكر هذه المحاولات التي تستهدف تشويه الإيمان الأرثوذكسي بحيلة خبيثة هي أساس كل هرطقة معاصرة ذلك أن يقوم مبتدعين مرتدين ثياب الأرثوذكسية بينما داخلهم مملوء انحراف وتعاليم مضللة (منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا) [1 يو 2: 19].

 أفواههم أفواه شر لأنها تتعمد إغفال دور الكنيسة في الخلاص، مدعين تعاليم ضالة مؤداها انك تستطيع أن تخص بدون الكنيسة، وهم في هذا يقاومون روح الله الذي أسس الكنيسة والذي يقدس الأسرار.

 أنها تعاليم مدسوسة ليس فيها سمو الكنيسة وقداسة الأسرار وثبات العقيدة وتكريم القديسين والتمسك بالتقليد، تارة بالإغفال وتارة أخرى بالمغالطة، وفي أحيان كثيرة توضع باهتة لتوظف فيما بعد للدفاع عن ضلالات كاتبيها.

 هذه الكتابات المضيعة تقسم الإيمان وتغير التعليم وتشوش العقيدة، لذلك ترتد أقوالهم على رؤوسهم، بعد أن خلطوا التعاليم النقية وسنوا ألسنتهم وأقلامهم ضد الإكليروس  وضد الرؤساء  وضد الأسرار  وضد الكنيسة والليتورجيا 

 هل هذه كلها ليست هرطقات؟ أنها تمثل هوة الدمار التي تجمع سقطات البدع وتنفث سموم أخطاء كثيرة، فهل يتجاسر أحد ويدعى زورًا أن هناك خلاص بدون الكنيسة؟

 كيف يكون ذلك والكنيسة مرتبطة بالمسيح ارتباط الجسد بالرأس، وهو الذي يجمعها من أربعة رياح الأرض ليجمع أعضاءها موحدا إياهم في جسد واحد، في وحدة الفهم والفكر والإيمان والمحبة، جسده الممجد، أم جميع المسيحيين، التي صارت المجال والوسط الفريد للروح القدس الذي أؤتمن بالحق عليها، التي لا نصيب لأحد مع المسيح إلا فيها،  فهي الجسد الملتحم برباط التقوى ووحدانية التعليم ويقينية الرجاء، بيت واحد له الخلاص في المسيح، أعطيت الوعد بالغلبة على كل قوى الشر مجتمعة.

 وكل من لا يكرم الكنيسة أم جميع المسيحيين في تعليمه عن عمد ويطمس دورها في الخلاص، إنما يقد الرؤية ويدفع بنفسه ومن معه إلى خارج البيعة حيث الطوفان والغرق، إذ هي فلك النجاة الحقيقي، الذي كل من داخله ينجو. 

المنحرفين والكنيسة


فالكنيسة جسد المسيح المنظور هي مدينة الله القائمة على الأرض التي لا خلاص بدونها، لان الخلاص لا يوجد إلا في الكنيسة حيث دمه الذي أهرق لأجل خلاصنا، ولهذا لا يقوم إيمان خارجها، إذ أن إيمان الهراطقة ليس إيمان..

ويقول القديس كيرلس السكندري أن الكنيسة تستمد وحدتها من انسجام التعليم الحقيقي الذي يوحد كل الكنائس، دون أية انقسامات في العقيدة بين المؤمنين، ولا رحمة ننالها خارج المدينة المقدسة.

ولا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذي وضع، لذلك يقول القديس إغريغوريوس النيصى (نحن نبتعد عن أولئك الذين يحيون في الهراطقة ونرتبط بالمحبة بأولئك الذين يحيون في النقاوة، لكي يكون ثوب الكنيسة مقدسا وحتى لا يكون لنا أي شركة مع الهراطقة).

إذ أن كل من أقامه الله لخدمة الكنيسة يشبه الحمامة، ويجب أن يغسل نفسه، لأنه صار عين الكنيسة التي لا تنجذب قط للأشياء الخادعة الغير موجودة والتي هي باطلة.

ويؤكد القديس هيلارى أسقف بواتيه، أن الكنيسة هي وحدة المؤمنين المتناغمة المجانسة، التي أسسها المسيح ثم الرسل، هي كنيسة واحدة تعلم الحق في سلطان وحدتها التي هي وحدة الجسد المتكامل وليست وحدة الأجساد المتناثرة، تلك الوحدة التي تتأسس على الإيمان الواحد ورابطة الحب وإجماع واتفاق الإرادة والفعل.

قد يتساءل البعض لماذا تتأنى الكنيسة في قطع المنحرفين؟ يجيبنا القديس جيروم (سمح الله بالزمن لأجل التوبة.. انه يحذرنا لئلا نقطع أخا قبل الوقت المناسب، فمن يكون اليوم مصابًا بالتعاليم السامة قد يعود غدا إلى صوابه).

ولكن هل تترك الكنيسة فساد البدع؟ الكنيسة تتأنى وتصحح عوض أن تقتلع فإن لم ينصلح المبتدع بالتوبة يطرد ويقطع بإرادته من شركة الكنسية متى كانت هرطقته وانحرافاته واضحة، ويظهر للكل انه ليس من حجة لبقائه.

ومهمة الكنيسة هي الحفاظ على الوديعة واجتناب كلام الهراطقة الفاسد المتلبس بالبدع {1 تيم 6: 20} لذلك وهب وإنما لتحكم في داخلها روحيا، فتعزل الهراطقة لكي لا يفسدوا أذهان الأنقياء بالعوسج المحاط بالأشواك الذي يفسد فلاحة الله.

وعن يقظة الأساقفة لفساد البدع، يقول القديس جيروم عن الزوان الذي يدخل الكنيسة خلسة (ليت الأسقف يسهر لئلا يأتي مبتدع ويلقى بالزوان الذي هو تعليم الهراطقة) فلنسهر حتى لا يمكن لباذر الزوان أن يجد وسيلة يلقى بها زوانه المستحق للنار.

وتكلم أيضا القديس أغسطينوس عن الانشقاقات قائلا (بالروح القدس تتطهر النفس وتقتات، هذا هو روح الله الذي لا يمكن أن يكون للهراطقة والمنشقين عن الكنيسة، كذلك بالنسبة للذين لم ينفصلوا عنها علانية، لكنهم انفصلوا بعصيانهم، هؤلاء صاروا قشا لا قمحا رغم وجودهم فيها.

ومن هم أولئك الذين يتعثرون أو يضعون عثرة، إنهم الذين يصطدمون بالمسيح والكنيسة، فالذين يصطدمون بالمسيح يكونون كمن احترق بالشمس، ومن يصطدم بالكنيسة كمن احترق بالقمر، لان المزمور يقول (لا تضربك الشمس في النهار ولا القمر بالليل) {مز 121: 6}.

إن التاريخ يسرد لنا أن الكنيسة بكل فئاتها كانت تمارس مسئوليتها عن قيام الحق وعن سلامة التعليم فيها، ومقاومة محاولات فرض عقيدة منحرفة عليها، أيام جهاد البابا الكسندروس الذي قال أمام المجمع (إننا نموت من أجل العقيدة الرسولية) وكذلك البابا أثناسيوس الرسولي (ق 4)،  وأيام البابا ديسقورس (ق 5)، الذي عندما سقط شعر لحيته وأسنانه أثناء تألمه من أجل الحفاظ على الإيمان، أرسلهم لأولاده من منفاه ليثبتهم في الإيمان المستقيم، ورهبان مصر كانت لهم مسئوليات، سجلها لهم التاريخ في الدفاع عن الإيمان والانتباه للانحرافات العقيدية قبل أن تستشري وكان ذلك أيام آريوس ونسطور أو مجمع خلقدونية، ولا ينسى التاريخ نزول العظيم الأنبا أنطونيوس والقديس باخميوس أب الشركة لمساندة الكنيسة في مواجهة الهرطقات.

ويذكر التاريخ حراسة الآباء لتعليم الرسل (الإنجيل)، وتقليد التعليم الذي تسلموه على تعاقب الأجيال، ولم يعترفوا بأي تعليم أو سلوك أو فكر غير إنجيلي تقليدي، بل كانوا يقاوموه حتى الموت والتاريخ الكنسي ملئ بالأمثلة والعبر.

لقد زرع الآباء في حقل الكنيسة البكر المعرفة الصادقة التي تستقر على إيمان مسيحي واقعي عملي صادق، بعيد عن التزييف والمساومة في نقاوة التعليم بمهادنة المنحرفين.

وأكد الآباء أن الكنيسة تضم أولادها الذين يطلبون أمهم عروس المعلم، التي يسكن فيها أنقياء القلب الذين سلموا أنفسهم للتعليم النقي. 

موقف الكنيسة من الهراطقة

 

يقول القديس كبريانوس الأسقف والشهيد (ما الذي تفعله شراسة الذئاب في القلب المسيحي؟ ما الذي تفعله همجية الكلاب وسم الحيات المميت والقسوة الدموية التي للحيوانات المتوحشة؟ يجب أن نتلقى التهاني  عندما ينفصل مثل هؤلاء عن الكنيسة لئلا يضيعوا ويضللوا حمام وخراف المسيح بقسوتهم وبعدواهم المسمومة، فالمرارة لا يمكن أن تتوافق أو تجتمع مع الحلاوة، ولا الظلام مع النور، ولا المطر مع الصفاء، ولا الحرب مع السلام، ولا العقم مع الخصوبة، ولا الجفاف مع الينبوع، ولا العاصفة مع السكون والهدوء، ويجب أن لا يظن أحد أن الإنسان الصالح يمكن أن يترك الكنيسة، فالرياح لا تطير الحنطة ولا تعصف بها، والأعاصير لا تنتزع الشجرة المرتكزة على جذر قوى متأصل وثابت، بل القش الخفيف هو الذي تطيره الرياح، والأشجار الضعيفة هي التي تقتلع في بداية الأعاصير، والرسول يوحنا اللاهوتي يدين هؤلاء المنشقين بشجبه عندما يقول (منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا) {1 يو 2: 19}.

وكنيستنا لا تقف سلبية تجاه هذه الفئة التي تشوش التعليم وتحدث الخلط في الإيمانيات، لأنه يليق بكنيسة الله المقدسة ألا يكون بها منحرفون، بل يلزم أن تعزل الخميرة الفاسدة {1كو 5: 7} لكن تبقى هي خميرة مقدسة قادرة أن تقدس الكثيرين في الرب، وينبغي على الكنيسة أن تعتزل الشر {أش 52: 11}، ويوصى معلمنا بولس الرسول قائلًا (اعزلوا الخبيث من بينكم) (حتى يرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل) {1كو 5: 13} إنه لمرعب ورهيب حقا هو انشقاق المتعاظمين المبتدعين، لأن وباءهم ينتقل ويستشرى على من يتعاملون معهم كمن هم مرضى (عدوى المرض)، ليته لا يكون لأحد صديق منشق ولا صاحب بدعة.

إن الكنيسة تقاوم الهراطقة وتحذرنا من خيانتهم- وإن كانت تحزن من أجلهم- وقد قال يهوذا وهو يخون سيده (السلام يا سيدي) {مت 26: 49}، هكذا لا نهتم بقبلاتهم بل نحذر سم تعاليمهم التي تجمع تارة بين الـ (ضد الأرثوذكسية) وتارة أخرى بين الـ (عدم الأرثوذكسية) لينسى بها الذين في داخل الكنيسة، الكنيسة نفسها وينفصلون عنها وهم فيها، وفي النهاية يصيرون جميعهم خارجًا، ويصنعون رمادا، إذ يهلكون وهم في الخارج، فكيف لخروف أن يحيا خارج حظيرة، وكيف لمسيحي أن يحيا خارج الفلك، خارج الكنيسة التي كل من بداخلها ينجو ومن خارجها يهلكه الطوفان؟

وما يؤسف له أن المنشقين يجترعون شر الهراطقة، فينشقون على الكنيسة ويتحولون إلى ذئاب، يشتغلون بحرفة الشيطان ويعضون لرعاة الحقيقيين، لذا لابد أن نحذر انحرافاتهم، لئلا كما تطير العصافة التي تنثرها الريح وتحمل بسهولة إلى مسافات طويلة،  هكذا نساق أمام هذه المهاترات المضللة، فالذين خارج الكنيسة هو أشبه بالعصافة تحملهم الرياح حيث تشاء، وتتخذ الكنيسة من التأديب صمام أمان للرجاء ورباط للإيمان، لأنه نافع جدا وإهماله وإدارة الظهور له هو موت، إذ أنه نوع من الحماية والدفاع عن كل ما يضر الكنيسة.

والمواجهة الفكرية للانحرافات تهشم أسنان الخطاة المفترسة وتنتزع المؤمنين من الأخطار الهرطوقية المضادة التي تحطم زهور الفضائل وتبدد ثمر وزهر الإيمان الأرثوذكسي خلال الأفكار الفاسدة والمفاهيم المضلة والاجتماعات المضيعة وقد علم القديس يوحنا فم الذهب بمقاومة الهراطقة فكريًا.

تلك المواجهة التي تمسك وتقتنص الثعالب الصغار المفسدة، إذ هي تزحف بخفة وتدخل من الثقوب الصغيرة لتفسد الكروم، لذا لابد من انتهارها وهى بعد صغيرة، وفي سفر القضاة وجعل ذنبا إلى ذنب ووضع مشعلا بين كل ذنبين في الوسط، ثم أضرم المشاعل نارا وأطلقها بين زروع الوثنيين الغرباء فأحرق الأكداس والزروع وكرم الزيتون {قض 15: 3-5} فهو يمثل المعلم المدقق والراعي الحقيقي الأمين الذي يعرف كيف يجمع الهرطقات ويربط أذيالها مع بعضها البعض مظهرا تعارض الهرطقات مع بعضها بعض، وإذ يلهب فيها نار الحق تحترق حقول الشر والبدع والهرطقات.

جنون الانقسام

 

هل هناك احد شريراَ جداَ بلا إيمان مثل الذين تجننوا بجنون الانقسام، حتى يظن أن وحدة الله يمكن أن تنقسم، أو أن أحدًا يقدر على أن يمزقها، وهى قميص الرب - كنيسة المسيح؟ والرب نفسه يحذرنا في إنجيله ويعلم قائلاَ (وتكون رعية واحدة وراع واحد) {يو 10:16} وهل يعتقد أي إنسان انه في مكان واحد يمكن أن يوجد رعاة كثيرون لقطعان عدة؟ والرسول بولس عندما تحدث عن هذه الوحدة، علم قائلاَ (ولكنني أطلب إليكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولاَ واحدَ ولا يكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأى واحد) {1كو 1:15}.

وفى موضع آخر يقول (محتملين بعضكم بعضاَ في المحبة، مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام) {أف 4:3}.

وهل يظن ذاك المجنون بجنون الانقسام أن له حياة بعد أن انفصل عن الكنيسة وبنى لنفسه منازل أخرى، لأنه قيل عن راحاب التي كانت رمزًا للكنيسة (أباك وأمك وأخوتك وسائر بيت أبيك، فيكون كل من يخرج من أبواب بيتك إلى خارج فدمه على رأسه) {يش 2:19}؟

وما جنون الانقسام إلا خيانة وجحد الوديعة، تلك التي يصنعها زارعو الانقسام عوض غرس السلام، الذين يغتصبون نفوس البسطاء ويسلبون الكنيسة أولادها، بل ويسلبون الله نفسه أولاده، هؤلاء إذ يرجعون عن ضلالهم وبدعهم يلزمهم أيضًا أن يردوا النفوس التي انحرفت بسببهم وتركت الإيمان الحق تابعة لفساد المشورة الشريرة.

وبقدر ما نأت الهرطقات وابتعدت عن الحقيقة الإلهية بقدر ما ابتعدت واستنبطت لنفسها جنونًا وخبلًا، تتظاهر بلبس كلمات الإنجيل، لتغرى بعض الحمقى، الذين لم يهلكوا بالسماع فقط بل أيضًا -مثل حواء- أخذوا وتذوقوا حتى أنهم -بسبب جهلهم وعدم درايتهم- صاروا يعتبرون المر حلواَ {أش 5:2} فتسببوا في انقسام أحمق ودنس.

كيف يمكن إذن أن يكونوا مسيحيين أولئك الذين هم ليسوا بمسيحيين، بل هم مجانين الهرطقات؟ وكيف ينتمون للكنيسة الجامعة وهم منقسمون ومنفصلون عن إيمان الرسل.

Saturday, February 13, 2021

الهرطقة أساس الانقسام

أشار الروح القدس في سفر نشيد الأناشيد في شخص ربنا قائلاَ (واحدة هي حمامتي كاملتي، الوحيدة لامها هي، عقيلة والدتها هي) {نش 6:9}، فهل يظن ذلك الذي لا يتمسك ولا يحفظ وحدة الكنيسة، انه يتمسك ويحفظ الإيمان؟


هل يعتقد ذاك الذي يقاوم الكنيسة ويعمل ضدها، انه في الكنيسة، عندما يعلم الرسول المبارك بولس نفس الأمر ويعلن سر الوحدة قائلًا (جسد واحد، رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، اله وأب واحد) {أف 4:4}؟


لذلك كل من يزرع الهرطقة يبذر الانقسام ويفصل نفسه عن دعوة الكنيسة، ولا يستطيع أن ينجو من الطوفان، لأنه خارج الفلك، والرب يحذر قائلًا (من ليس معي فهو على ومن لا يجمع معي فهو يفرق) {مت 12:30} ومن يفسد سلام المسيح، يكن مقاوماَ للمسيح، ومن يجمع في أي مكان آخر غير الكنيسة؟ وهل يمكن لقلة ضئيلة ذات أهواء وآراء مضادة وتعاليم غريبة غربية بعيدة عن المنهج الروحي والتعليم الأرثوذوكسي السليم، إن تقسم هذه الوحدة النابعة من القوة الإلهية اللانهائية؟


كيف يظن الهرطوقي انه يجمع وهو يقسم انه يوحد وهو يفرق؟ وكيف نظن أن الهرطقة ستبنى؟ ماذا حصد أصحاب الاتجاهات المنحرفة إلا الانقسام!! أيظن أن له المسيح ذاك الذي يقاوم كهنة المسيح ويفصل نفسه عن شركة الإكليروس والشعب؟ انه يحمل الأسلحة ضد الكنيسة، أسلحة الهرطقة وخراب الانقسام، ويقاوم تدبير الله في الكنيسة المعطى للآباء الأساقفة ومدبري البيعة، وهو عدو المذبح ومتمرد على ذبيحة المسيح، وبالنسبة للإيمان مشوش الإيمان،  وبالنسبة للديانة مدنس، عبد غير مطيع، ابن عاق، أخ معاد، لا يستجيب للأساقفة ويرفض الكهنة، لذا يجرؤ على أن يترك الذبيحة وموضع المذبح وان يرفع صلاة أخرى بكلمات غير قانونية، وان يدنس حق تقدمة الرب بذبائح مزيفة


حينما نصلى (أنر عيني لئلا أنام نوم الموت) {مز 12:53} فمن الواضح "أن نوم الموت" هو السقوط والابتعاد عن التعاليم الأرثوذكسية والعقائد الإنجيلية الرسولية الآبائية، والذين يبتعدون عن الحق بسبب تعصبهم لشيع هرطوقية، لا يسلكون طريق الإيمان الحق ويتسببون في الانقسام وفي جرح أنفسهم 

مضار الهرطقات ومنافعها


إن الهراطقة ينكرون الرب محتقرين الدم الثمين المدفوع لأجل إيماننا المستقيم، لذلك لا يهلكون وحدهم بل يدفعون معهم آخرين للهلاك، فالهدم أسرع من البنيان، يفرقون ولا يجمعون
لكن منفعة الهرطقات أنها تحثنا نحو معرفة الأسرار، والله بحسب تدبيره يستخدم حتى الأشرار للخير، أما النفوس الصغيرة فتضطرب عندما تحدث البدع، وإذ تضطرب تبحث في الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة، وهذا البحث بمثابة قرع رؤوس الرضع علي صدور أمهاتهم لكي ينالوا اللبن العديم الغش
لذلك يَشكر القديس أغسطينوس الهراطقة ويقول "شكرًا للهراطقة" لأنه بظهور المقاومات الفكرية والمبتدعين تزدهر المعرفة وينمو البحث وكلما ازدادت مهاجمة الهرطقات للكنيسة، كلما انتهت بنصرة الكنيسة، وحُسم الموقف لحساب الجماعة (جسد المسيح) أي الكنيسة، وانهزم روح الفردية للهراطقة وظهر أبطال الإيمان
أما عن مضار الهرطقات فهي جريمة التعليم الكاذب المخالف، حتى أن القديسين كانوا يتقبلون على أنفسهم كل اتهام إلا اتهام الهرطقة، إذ حسبوا أن إهانات الناس ربحا لهم، أما اتهام الهرطقة فيبعدهم عن الله
والمبتدع يزيد وينقص من أقوال الله فتزيد عليه الويلات من جراء هرطقته المهلكة، التي دينونتها أمام الله عظيمة
وليس اخطر من مضار الانقسام وتعطيل رسالة الكنيسة وعثرة البسطاء التي يحدثها الهراطقة فيجدف بسببهم على طريق الحق (2 بط 2:2) 

حل تعاظم أهل البدع




يوصينا القديس بولس الرسول قائلًا: "أطلب إليكم أيها الأخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات خلافًا للتعليم الذي تعلمتموه واعرضوا عنهم" (أف 4: 14) مبنيين علي إيماننا الأقدس

حل تعاظم أهل البدع


إن كانت الهرطقة شرًا، لكن الله أخرج منها خيرًا للكنيسة، فقد مثلت هذه الانحرافات قوة دافعة إلي البحث، وحثت علي الدفاع عن الإيمان المسلم مرة واحدة للقديسين، ذلك الإيمان الحي المستقيم الغير منحرف المرتبط بالجهاد

ويري الآباء أن صيادي الثعالب الصغار هم مدبرو البيعة، الذين يصطادون الحيوانات المفترسة من قلوب البسطاء، ليجعلوا لابن الإنسان موضعًا يسند رأسه فيه

وفي رؤيا لأحد المسيحيين الأوائل رأي الكنيسة كشجرة صفصاف اجتمع تحتها كل الذين دُعي عليهم أسم ربنا يسوع المسيح، وكان ملاك الرب العظيم بقامته الفارعة يقف تحتها وفي يده منجل يقطع به أغصانًا، تلك الأغصان المقطوعة صغيرة لا تتجاوز طول الشبر، ثم وضع ملاك الرب المنجل جانبًا، وظهرت الشجرة مزينة كأنها لم تُمس

وملاك الرب العظيم هو رئيس الملائكة ميخائيل، الموكل إليه حفظ إيمان الكنيسة، الذي قطع الأغصان اليابسة التي نخرها السوس بعد أن تشققت وبقيت عقيمة من جراء خبثها وعدم استفادتها بروح التوبة، فأمر الرب بقطعها حتى لا تُهين اسمه

وأمومة الكنيسة تجعلها ساعية -إن أمكن- أن لا يفنى أحد من أولادها، فالأم الفرحة تحتضن في صدرها وقلبها جسدًا واحدًا هو شعب متفق متحد، ولكن عندما لا تأتى نصيحتها بالثمار المطلوبة في أن ترد المخدوعين إلي طريق الخلاص، ويصرون علي عنادهم وتحديهم، يكونون هم الذين يقطعون أنفسهم بأنفسهم

هؤلاء الخارجون عن التعليم، يخرجون من البيت الواحد غير المنقسم، كالحجارة التي رفضت أن تكون في البناء الروحي الكنسي، هذه الحجارة التي اعتمدت علي ذاتها وظنت أنها قادرة أن تتأسس علي المسيح خارج الكنيسة، فتركت روح الآباء ورفضت التلمذة والطاعة، وأرادت أن تكون مستقلة بذاتها فخرجت خارج البيت الروحي

أما أبناء الكنيسة الذين رضعوا من ثدي أمهم البيعة المقدسة المؤسسون علي المسيح فلا يخافون من الخزعبلات ولا يخشون مهاترات المنشقين، هاربين من سم الحية التي لا تقدر أن تجد لها موضعًا علي الصخر، لأن مكانها الرمال أي الهرطقات التي تقوم وتنهدم سريعًا إذ أنها بناء دمار، وطريقها واسع نهايته الهلاك

والذين يخرجون من شركة الكنيسة هم أناس جاحدون، وأصحاب بدع لا يمتلكون الحقيقة، يستعفون من آبائهم ويهربون من مرشديهم، فيسقطون كأوراق الخريف، وليس شر أعظم من الانشقاق خارج الكنيسة بلا اتصال ولا اتحاد مع بقية أعضاء الجسد

وغالبًا ما تقوم الهرطقات علي القساوة، وكما في الجسد، الأعضاء اليابسة القاسية لا تخضع ليدي الطبيب، هكذا لا يخضع المنشقون لآباء الكنيسة ولقرارات مجمعها المقدس، فيتركون الكنيسة، ويسقطون تحت الدينونة بسبب بدعهم وإصرارهم المعاند وتحديهم السافر، فيقطعون أنفسهم بأنفسهم، فمن ليس للمسيح هو ضد المسيح، ومن يكسر سلام المسيح واتفاقه يفتعل مضاداة له، ومن يجمع في غير الكنيسة (قاعات الهراطقة) يبعثر الكنيسة ويخرب وحدتها، يزرع الريح ويحصد الزوبعة، زرعه ليس له غلة، إذ لا يصنع دقيق (هو 8: 7)

وتقترن الهرطقات بتعاظم أصحابها وصلف كبريائهم، لذلك تصلي الكنيسة إلي الله لكي يحل تعاظم أهل البدع، ويقول الراعي هرماس في وصاياه "إن الاتضاع يميز النبي الصادق من النبي الكاذب" فالاتضاع يفرز الخادم الحقيقي من المزيف

والسقوط في الكبرياء يفقد الإنسان رؤيته، مما يؤدي بدوره إلي أن يسقط من رتبته، إذ أن المواهب الصالحة تُعطي للمتواضعين وتُمنع عن المتكبرين المرفوضين الذين أُسلموا لذهن مرفوض (رو 1: 28)، ومن ثم خدعهم كبرياؤهم ليضلوا ومعهم المخدوعون، الذين بكبريائهم أيضًا ذهبوا مع الذئب بدلًا من طاعة الراعي

ولحكمة إلهية تستصرخ الكنيسة كلها المسيح عمانوئيل الكائن معنا علي المذبح وتستعطفه ليحل تعاظم أهل البدع، إذ أن حب العظمة وفخ المجد الباطل ينحرف بالإنسان إلي التجاديف والابتداع وترك الحق، وكل من ينخدع يجدف غير طائع مقاوم الحق، له ذهن فاسد، لذلك يصير مرفوضًا من جهة الإيمان

إنه لكبرياء وتعاظم، أن يتجاسر أحد ويظن أنه قادر أن يفعل ما لم يهبه الله حتى للرسل، فيظن أن تعليمه الحديث يصحح ما قد تسلمناه، حقيقة أن الأواني الخشبية تحرفها الهرطقات والأواني الخزفية تسحقها البدع، لكن وجود البدع لا يعيق الإيمان، لذا لا يترك أحد الكنيسة لمجرد أن فيها زوانًا، بل يجاهد الجميع لكي يصبحوا حنطة، وأواني من ذهب وفضة

وما الهرطقة والانشقاق إلا ثمرة الكبرياء والغرور، فلننظر كيف أن التعاظم يلد عدم الإيمان، والخروج عن التعليم المستقيم يجلب القطع من شركة الكنيسة، لأن النفس المتصلفة تفرط في بنوتها وتصير حمقاء فتقطع نفسها بنفسها

فالكبرياء أساس الهرطقة، ومقاومة الحق تكون بواسطة غرور التشامخ الباطل، الذي يعبر كالهواء الفارغ، غواية مهلكة ومضادة للتعليم الكنسي نابعة من ضد المسيح (روح الضلال) (1 يو 4: 2-3)

إن الهراطقة الذين ينطقون بأقوال من ابتداعهم ومن خيالاتهم.. كل منهم شرير لا يخجل من أن يكرز بنفسه وبآرائه.. مفسدًا قانون الإيمان، مثل هؤلاء يجب أن نقاومهم لأنهم مثل الحيات المراوغة الناعمة، لهم قوة حسب التفكير الفلسفي لحساب المجد البشري، لهم العلم الذي ينفخ لأنه بلا روح بعيد عن كنيسة الله، سعادتهم في نظرة الناس إليهم، بعيدًا عن التلمذة والتربية الروحية والأدب الروحي

وإن كانت الكنيسة مترفقة مع الخطاة لكنها غير مهادنة للهراطقة، إذ أنها لا تحتمل وجود فكر غريب، لكن بحزم تتنقى من داخل لكي لا يحمل أحد أعضائها خميرة البدع الفاسدة التي تنتج جنونًا وعتهًا، بل يحمل الجميع خلودًا وبرًا

ولكن للأسف غالبًا ما يكون المبتدعون والمنشقون ذوي اسم ومواهب تنحرف بهم للهدم بدلًا من البنيان، والانشقاق عوض الوحدة، فكل من يرفع نفسه بعجرفة ينتهي بسقوطه إلي الأرض، إذ أن الكبرياء صعود إلي أسفل

ولا يوجد أسوأ من أن يسقط الإنسان في أفكار الهراطقة، أو أن يقبل آراءهم، فهو إنما يهيئ نفسه بذلك ليصير مادة للنار وحطبًا لجهنم، فريسة لخطر الهرطقات تحت اسم المسيح (أشور)، ينحرف عن الحق فيهلك

وغالبًا ما يكون فساد البدع تجارة بالنفوس خلال أقوال لينة خادعة إذ (بالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السُلماء) (رو 16: 18) لهذا فإن دينونتهم منذ القديم قائمة تنتظرهم، وهلاكهم لا يغفل عنهم مهما شعروا بطمأنينة كاذبة، ودليل إدانتهم فوق رؤوسهم

لذلك يهلك الهراطقة في فسادهم، لأنهم أسلموا أنفسهم بأنفسهم للهلاك، فمع أنهم يجهلون الأمور لكنهم في تجاسر يفترون مقاومين الحق مع أنه كان يجب أن يصمتوا بسبب جهلهم، لأنهم بلا فهم، يستهينون بالسيادة ولا يقبلون الخضوع لما تسلمته الكنيسة جيلًا بعد جيل، بل يتمسكون بما تمليه عليهم أفكارهم الخاصة واعتدادهم.. (جسورون معجبون بأنفسهم لا يرتعبون أن يفتروا علي ذوي الأمجاد)



ومن يزدري بالكنيسة لا يعود يحسب من أولاد الله ولا يتبع الحق، بل يتبع الجسد، لأن (أعمال الجسد ظاهرة، التي هي زنى نجاسة.. تحزبات، شقاق، بدع..، إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله). (غلا 5: 19)

القديس كيرلس الاورشليمي وقانونية سفر الرؤيا وبقية اسفار العهد الجديد

  في البدايه تعريف بمن هو القديس كيرلس من كتاب سير القديسين القديس كيرلس أسقف أورشليم (القديس كيرلس الأورشليمي)   قس الموعوظين: Κύριλλος Α΄ ...