الكُفر هو ضد الإيمان لأنه كفر بالله. والكفر atheism هو أيضًا ضد الشكر (جحود النعمة). فالكافر هو مَنْ ينكر وجود الله؛ أي ينكر أن يكون الله أصلًا للوجود وخالِقًا للعالم. وهو أيضًا من ينكر نعم الله على البشر سواء خيراته اللازمة لأجسادهم من أجل حياتهم الزمنية أو اللازمة لأرواحهم من أجل حياتهم الأبدية.
ونحن المسيحيين نؤمن بأن الله خالقنا "يا رب أنت جابلنا وكلنا عمل يديك" (إش64: 8). وأنه خالق السماء والأرض "يا إلهي... من قِدمٍ أسست الأرض والسموات هي عمل يديك" (مز102: 25). وأن كل ما نتمتع به من خيرات أرضية هي من عنده "أبوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألونه" (مت7: 11). كما أنه قدم لنا عطايا روحية فائقة لأجل حياتنا الأبدية "مبارك الله... الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح" (أف1: 3). وفي هذه العطايا الروحية ظهرت لنا محبته الحقيقية التي ميزنا بها عن كل الخلائق. فإن كان هذا هو إيماننا بالله واعترافنا به بأنه خالقنا ورازقنا بخيرات الدنيا والآخرة فنحن إذًا لسنا كفرة.
وإن كنت تدعوني كافرًا لأني مختلف عنك في دينك فهل تقبل أن أدعوك أنت كافرًا لأنك مختلف عنى في ديني؟ وإن كان لا. فلماذا تكفرني؟ وهل من الحكمة أن يتبادل الناس اتهام بعضهم البعض بالكفر بسبب اختلافهم في عقائدهم؟ إن التعبير العاقل أننا مختلفان في الدين ولسنا كافرين. وليت كل واحد منا يحترم ديانة وعقيدة الآخر، ونبعد عن الحقد والضغينة التي تهدم المجتمع ولا تبنيه.
وأريد أن أسألك سؤالًا: هل يصح للمسلم الارتباط بكافرة؟ الإجابة هي لا حسب النص الصريح المكتوب في القرآن "وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ" (سورة البقرة 221)! إذًا، فنحن غير كفرة أو مشركون، بدليل السماح للمسلم التزوج بمسيحية. بل بالأكثر، فقد ارتبط النبي محمد رسول الإسلام بـ"ماريا القبطية"!
مفهوم التكفير في الإسلام، والفرق بينه وما بين "عدم الإيمان" في المسيحية:
مفهوم التكفير في الإسلام ليس أمرًا بسيطًا، بل سالت بسببه دماء كثيرة عبر العصور، وكان حجة للحروب وغيره.. وما نراه عندما تقوم جماعات إسلامية إرهابية بقتل الآخرين، تفرِّق ما بين المسلم والكافر.. أو إن كان مسلمًا هل تعتبره كافرًا أم لا! فإن كان كافرًا يُستباح دمه!
ففي المسيحية عندما يوجد شخص مؤمن أو غير مؤمن، لا يترتَّب على الفرق بينهما أي اضطهاد أو تمييز أو تفرقة في الحقوق والواجبات العامة وغيره.. وهذا هذا عكس الواقع في الإسلام كما رأينا من القِتال للكفار ووضع الجزية على الأشخاص وغير ذلك. فالإرهابي الذي حاول قتل الأديب المصري نجيب محفوظ قتله بإيعاز من "شيوخه" الذين أفتوا أن الرجل كافل ومرتد ومُهدر دمه، في حين أن الإرهابي لم يقرأ أصلًا الرواية التي أُهدر بسببها دمه! فهناك فرقًا بين "كافر" في الإسلام و"غير مؤمن" في المسيحية.. فعدم إيمان الشخص بالمسيح لا يترتب عليه أي أمر (على الأرض)، في حين أن الكافر في مفهوم الإسلام دمه غير مكافئ لدم المسلم (لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ: حديث رسول الإسلام محمد في البخاري)، ودية المسلم ليست مثل دية الكافر، والكافر لا يَرِث المسلم.. إلخ.
أفهمت الفرق يا عزيزي في نقطة التكفير؟
يحاول البعض تجميل التكفير بالقول: أنت مسيحي كافر بالنسبة لي من وجهة نظري، وأنا كافر بالنسبة لك من وجهة نظرك. وهذا نعتبره ببساطة تسطيح للقضية ومغالطة خطيرة، لأن التكفير تلحقه صفات، ثم قرارات.
كتاب الله يقول: "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 2: 4)، فهو يدعو الجميع إلى الإيمان بمحبة.. والعقاب لغير المؤمن في الأبدية حسبما يدينه الله.. أما في الإسلام فنرى لعنة للكافرين: "لَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ" (سورة البقرة 89)، ونرى "اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ.. اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ" (سورة البقرة 98؛ سورة آل عمرن 32).. "قَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ" (سورة التوبة 12).. "قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (سورة التوبة 29).. فمن ناحية نرى الله يدعو الناس للهداية والخلاص، وعلى الجانب الآخر نرى "اللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" (سورة البقرة 264).. وهناك الكثير والكثير من الآيات القرآنية التي تتحدث في ذلك الموضوع، ووضعه أمام أعين المسلم طيلة الوقت! فعندما يسمع المسلم هذه الصفات عن الكافرين، لن يرى شكل الكفر في مجرد اختلاف الدين، ولكن ذلك الكافر هو ملعون وعدو الله ولن يهتدي.. إلخ. ويترتب على ذلك المزيد من الكره أو العنف أو التمييز أو حتى القتل.. إلخ.
المسيحية تحب الجميع، وكل إنسان له احترامه بغض النظر عن السن أو الجنس أو الدين أو التوجه العقيدي وغيره.. فالله الذي خلقك هو الذي خلقني.. ومبادئ المسيحية هذه هي التي جعلت العالم الغربي في تطوره واحترامه للإنسانية عبر العصور.. ومازال عالمنا العربي للأسف فريسة للجهل والاستبداد ومطمعًا لكل ديكتاتور يفعل به ما يريد.. فاختلاف دين الآخر في المسيحية، لا يجعلني أقلل من شأنه، أو لا أحترمه، أو لا أقبل سلطته في العلاقات الاجتماعية من العمل وغيره.. ولكن على الناحية الأخرى نرى بعض المسلمون ضد هذه الحقوق الإنسان الطبيعية، اعتمادًا على آيات مثل: "لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" (سورة آل عمران 28)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" (سورة النساء 144).. إلى غير ذلك من الآيات.. فالولاية هنا لها علاقة بالولاية الدينية الإسلامية لرجال الدين وغيره.. أما في السياسة والحياة العامة، فلا يصح تطبيق هذه الأمور، لأنها تعني أن أي شخص غير مسلم (أو بمعنى أصح لا يتبع طائفة الإسلام التي تتبعها بالضبط فقط)، له حقوق أقل من الإنسان العادي! ويصبح لدينا امتهان لحقوق الإنسان، وعودة إلى عصور التخلف التي رأيناها في أمريكا مثلًا من وضع الأفارقة السود في مرتبة بشرية أقل من الإنسان الأبيض، إلى غير ذلك..
فيا أخي المُقَرَّب إلى قلبي جدًا.. الله خلق جميع البشر، وللجميع حقوق متساوية.. فهو "يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ" (إنجيل متى 5: 45)، وهو وحده الديّان الذي له حق دينونة البشر.. فليس من حق أي إنسان أن يحكم على أي إنسان آخر بناءً على وجهة نظره هو وحده، كأنه يحتكر الحق المطلق، وحتى هذا الحق الذي يراه لا يتفق عليه جميع البشر..
فكن حكيمًا، وخذ الأمور بهدوء وبساطة.. فلا يوجد لدينا كمسيحيون ومسلمون حربًا.. دعنا نسمو فوق الاختلافات، نعمل معًا على رفعة الوطن، ونتلاقى في الخدمات الاجتماعية والفضائل الروحية العامة، بدون الغوص في أمورًا تزيد الفوارق بهدف التفرقة..
وليكن الله معك ومعنا، وليحفظنا في جميع طرقنا..
No comments:
Post a Comment