يقول القديس كبريانوس الأسقف والشهيد (ما الذي تفعله شراسة الذئاب في القلب المسيحي؟ ما الذي تفعله همجية الكلاب وسم الحيات المميت والقسوة الدموية التي للحيوانات المتوحشة؟ يجب أن نتلقى التهاني عندما ينفصل مثل هؤلاء عن الكنيسة لئلا يضيعوا ويضللوا حمام وخراف المسيح بقسوتهم وبعدواهم المسمومة، فالمرارة لا يمكن أن تتوافق أو تجتمع مع الحلاوة، ولا الظلام مع النور، ولا المطر مع الصفاء، ولا الحرب مع السلام، ولا العقم مع الخصوبة، ولا الجفاف مع الينبوع، ولا العاصفة مع السكون والهدوء، ويجب أن لا يظن أحد أن الإنسان الصالح يمكن أن يترك الكنيسة، فالرياح لا تطير الحنطة ولا تعصف بها، والأعاصير لا تنتزع الشجرة المرتكزة على جذر قوى متأصل وثابت، بل القش الخفيف هو الذي تطيره الرياح، والأشجار الضعيفة هي التي تقتلع في بداية الأعاصير، والرسول يوحنا اللاهوتي يدين هؤلاء المنشقين بشجبه عندما يقول (منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا) {1 يو 2: 19}.
وكنيستنا لا تقف سلبية تجاه هذه الفئة التي تشوش التعليم وتحدث الخلط في الإيمانيات، لأنه يليق بكنيسة الله المقدسة ألا يكون بها منحرفون، بل يلزم أن تعزل الخميرة الفاسدة {1كو 5: 7} لكن تبقى هي خميرة مقدسة قادرة أن تقدس الكثيرين في الرب، وينبغي على الكنيسة أن تعتزل الشر {أش 52: 11}، ويوصى معلمنا بولس الرسول قائلًا (اعزلوا الخبيث من بينكم) (حتى يرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل) {1كو 5: 13} إنه لمرعب ورهيب حقا هو انشقاق المتعاظمين المبتدعين، لأن وباءهم ينتقل ويستشرى على من يتعاملون معهم كمن هم مرضى (عدوى المرض)، ليته لا يكون لأحد صديق منشق ولا صاحب بدعة.
إن الكنيسة تقاوم الهراطقة وتحذرنا من خيانتهم- وإن كانت تحزن من أجلهم- وقد قال يهوذا وهو يخون سيده (السلام يا سيدي) {مت 26: 49}، هكذا لا نهتم بقبلاتهم بل نحذر سم تعاليمهم التي تجمع تارة بين الـ (ضد الأرثوذكسية) وتارة أخرى بين الـ (عدم الأرثوذكسية) لينسى بها الذين في داخل الكنيسة، الكنيسة نفسها وينفصلون عنها وهم فيها، وفي النهاية يصيرون جميعهم خارجًا، ويصنعون رمادا، إذ يهلكون وهم في الخارج، فكيف لخروف أن يحيا خارج حظيرة، وكيف لمسيحي أن يحيا خارج الفلك، خارج الكنيسة التي كل من بداخلها ينجو ومن خارجها يهلكه الطوفان؟
وما يؤسف له أن المنشقين يجترعون شر الهراطقة، فينشقون على الكنيسة ويتحولون إلى ذئاب، يشتغلون بحرفة الشيطان ويعضون لرعاة الحقيقيين، لذا لابد أن نحذر انحرافاتهم، لئلا كما تطير العصافة التي تنثرها الريح وتحمل بسهولة إلى مسافات طويلة، هكذا نساق أمام هذه المهاترات المضللة، فالذين خارج الكنيسة هو أشبه بالعصافة تحملهم الرياح حيث تشاء، وتتخذ الكنيسة من التأديب صمام أمان للرجاء ورباط للإيمان، لأنه نافع جدا وإهماله وإدارة الظهور له هو موت، إذ أنه نوع من الحماية والدفاع عن كل ما يضر الكنيسة.
والمواجهة الفكرية للانحرافات تهشم أسنان الخطاة المفترسة وتنتزع المؤمنين من الأخطار الهرطوقية المضادة التي تحطم زهور الفضائل وتبدد ثمر وزهر الإيمان الأرثوذكسي خلال الأفكار الفاسدة والمفاهيم المضلة والاجتماعات المضيعة وقد علم القديس يوحنا فم الذهب بمقاومة الهراطقة فكريًا.
تلك المواجهة التي تمسك وتقتنص الثعالب الصغار المفسدة، إذ هي تزحف بخفة وتدخل من الثقوب الصغيرة لتفسد الكروم، لذا لابد من انتهارها وهى بعد صغيرة، وفي سفر القضاة وجعل ذنبا إلى ذنب ووضع مشعلا بين كل ذنبين في الوسط، ثم أضرم المشاعل نارا وأطلقها بين زروع الوثنيين الغرباء فأحرق الأكداس والزروع وكرم الزيتون {قض 15: 3-5} فهو يمثل المعلم المدقق والراعي الحقيقي الأمين الذي يعرف كيف يجمع الهرطقات ويربط أذيالها مع بعضها البعض مظهرا تعارض الهرطقات مع بعضها بعض، وإذ يلهب فيها نار الحق تحترق حقول الشر والبدع والهرطقات.
No comments:
Post a Comment