فالكنيسة جسد المسيح المنظور هي مدينة الله القائمة على الأرض التي لا خلاص بدونها، لان الخلاص لا يوجد إلا في الكنيسة حيث دمه الذي أهرق لأجل خلاصنا، ولهذا لا يقوم إيمان خارجها، إذ أن إيمان الهراطقة ليس إيمان..
ويقول القديس كيرلس السكندري أن الكنيسة تستمد وحدتها من انسجام التعليم الحقيقي الذي يوحد كل الكنائس، دون أية انقسامات في العقيدة بين المؤمنين، ولا رحمة ننالها خارج المدينة المقدسة.
ولا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذي وضع، لذلك يقول القديس إغريغوريوس النيصى (نحن نبتعد عن أولئك الذين يحيون في الهراطقة ونرتبط بالمحبة بأولئك الذين يحيون في النقاوة، لكي يكون ثوب الكنيسة مقدسا وحتى لا يكون لنا أي شركة مع الهراطقة).
إذ أن كل من أقامه الله لخدمة الكنيسة يشبه الحمامة، ويجب أن يغسل نفسه، لأنه صار عين الكنيسة التي لا تنجذب قط للأشياء الخادعة الغير موجودة والتي هي باطلة.
ويؤكد القديس هيلارى أسقف بواتيه، أن الكنيسة هي وحدة المؤمنين المتناغمة المجانسة، التي أسسها المسيح ثم الرسل، هي كنيسة واحدة تعلم الحق في سلطان وحدتها التي هي وحدة الجسد المتكامل وليست وحدة الأجساد المتناثرة، تلك الوحدة التي تتأسس على الإيمان الواحد ورابطة الحب وإجماع واتفاق الإرادة والفعل.
قد يتساءل البعض لماذا تتأنى الكنيسة في قطع المنحرفين؟ يجيبنا القديس جيروم (سمح الله بالزمن لأجل التوبة.. انه يحذرنا لئلا نقطع أخا قبل الوقت المناسب، فمن يكون اليوم مصابًا بالتعاليم السامة قد يعود غدا إلى صوابه).
ولكن هل تترك الكنيسة فساد البدع؟ الكنيسة تتأنى وتصحح عوض أن تقتلع فإن لم ينصلح المبتدع بالتوبة يطرد ويقطع بإرادته من شركة الكنسية متى كانت هرطقته وانحرافاته واضحة، ويظهر للكل انه ليس من حجة لبقائه.
ومهمة الكنيسة هي الحفاظ على الوديعة واجتناب كلام الهراطقة الفاسد المتلبس بالبدع {1 تيم 6: 20} لذلك وهب وإنما لتحكم في داخلها روحيا، فتعزل الهراطقة لكي لا يفسدوا أذهان الأنقياء بالعوسج المحاط بالأشواك الذي يفسد فلاحة الله.
وعن يقظة الأساقفة لفساد البدع، يقول القديس جيروم عن الزوان الذي يدخل الكنيسة خلسة (ليت الأسقف يسهر لئلا يأتي مبتدع ويلقى بالزوان الذي هو تعليم الهراطقة) فلنسهر حتى لا يمكن لباذر الزوان أن يجد وسيلة يلقى بها زوانه المستحق للنار.
وتكلم أيضا القديس أغسطينوس عن الانشقاقات قائلا (بالروح القدس تتطهر النفس وتقتات، هذا هو روح الله الذي لا يمكن أن يكون للهراطقة والمنشقين عن الكنيسة، كذلك بالنسبة للذين لم ينفصلوا عنها علانية، لكنهم انفصلوا بعصيانهم، هؤلاء صاروا قشا لا قمحا رغم وجودهم فيها.
ومن هم أولئك الذين يتعثرون أو يضعون عثرة، إنهم الذين يصطدمون بالمسيح والكنيسة، فالذين يصطدمون بالمسيح يكونون كمن احترق بالشمس، ومن يصطدم بالكنيسة كمن احترق بالقمر، لان المزمور يقول (لا تضربك الشمس في النهار ولا القمر بالليل) {مز 121: 6}.
إن التاريخ يسرد لنا أن الكنيسة بكل فئاتها كانت تمارس مسئوليتها عن قيام الحق وعن سلامة التعليم فيها، ومقاومة محاولات فرض عقيدة منحرفة عليها، أيام جهاد البابا الكسندروس الذي قال أمام المجمع (إننا نموت من أجل العقيدة الرسولية) وكذلك البابا أثناسيوس الرسولي (ق 4)، وأيام البابا ديسقورس (ق 5)، الذي عندما سقط شعر لحيته وأسنانه أثناء تألمه من أجل الحفاظ على الإيمان، أرسلهم لأولاده من منفاه ليثبتهم في الإيمان المستقيم، ورهبان مصر كانت لهم مسئوليات، سجلها لهم التاريخ في الدفاع عن الإيمان والانتباه للانحرافات العقيدية قبل أن تستشري وكان ذلك أيام آريوس ونسطور أو مجمع خلقدونية، ولا ينسى التاريخ نزول العظيم الأنبا أنطونيوس والقديس باخميوس أب الشركة لمساندة الكنيسة في مواجهة الهرطقات.
ويذكر التاريخ حراسة الآباء لتعليم الرسل (الإنجيل)، وتقليد التعليم الذي تسلموه على تعاقب الأجيال، ولم يعترفوا بأي تعليم أو سلوك أو فكر غير إنجيلي تقليدي، بل كانوا يقاوموه حتى الموت والتاريخ الكنسي ملئ بالأمثلة والعبر.
لقد زرع الآباء في حقل الكنيسة البكر المعرفة الصادقة التي تستقر على إيمان مسيحي واقعي عملي صادق، بعيد عن التزييف والمساومة في نقاوة التعليم بمهادنة المنحرفين.
وأكد الآباء أن الكنيسة تضم أولادها الذين يطلبون أمهم عروس المعلم، التي يسكن فيها أنقياء القلب الذين سلموا أنفسهم للتعليم النقي.
No comments:
Post a Comment